• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

شهر الانفتاح على السنة كلّها

عمار كاظم

شهر الانفتاح على السنة كلّها

"تتحرك العبادةُ من أجل أن تطلق كلّ العناصر الخيِّرة في نفس الإنسان، وتؤكد الثقة بنفسه، وتثبّت له أقدامه في كلّ ساحات الصراع". فلماذا العبادة؟ هل يعبد النّاس ربهم من خلال طبيعة ما تفرضه العبودية من خضوع وإذلال وما إلى ذلك ممّا يعبّر فيه الإنسان المؤمن عن هذا الذوبان في الله تعالى بحيث يفقد ذاته أمامه؟ وهل العبادة شيء متصل بالله فيما يعبّر به الإنسان عن طبيعة علاقته بالله، أو أن في العبادة معنى في حركة الإنسان في الحياة بحيث تتداخل علاقة الإنسان بربه بالإيجابيات التي تؤصّل في داخله معنى إنسانيته وتحرك علقته بغيره وبالحياة؟ قال الله سبحانه وتعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات/ 56)، وكانت كلّ دعوات الأنبياء تتجه بهذا الاتجاه (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) (النساء/ 36)، ونحن نقرأ في تراثنا أنّ الله "لا تضره معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه" فمن الطبيعي أن يعبّر الإنسان عن عبوديته لربه بكل مظاهر العبودية، ولكننا نفهم من أكثر من آية ومن أكثر من امتداد لمعنى العبادة في نداءات الأنبياء (عليهم السلام) إنّ العبادة تتحرك من أجل الإنسان ومن أجل أن تطلق كلّ عناصر الخير في نفسه ومن حيث أنّها تؤكد له الثقة بنفسه وتثبّت له أقدامه في كلّ ساحات الصراع. والصوم في معناه يمثل حالة سلبية تحمل بداخلها معنى إيجابيّاً، لأنّ السلب عندما يكون مسؤولية فإن إرادتك في حركة السلب تمثل حالة إيجابية أيضاً فأنت تريد أن لا تأكل وأن لا شرب وأن لا تتلذّذ، ولذلك هو ليس سلبية طبيعية بعيدة عن إنسانية إرادتك، بل هي حركة في الإرادة أن ترفض مالا يريده الله منك. ومن هنا فإنّنا نستطيع أن نقول كما أنّ الصلاة تدفعك إلى أن تؤصّل الرفض في نفسك للفحشاء والمنكر فإنّ الصوم يدفعك إلى أن تحرك إرادتك في رفض كّل ما لا يريده الله سبحانه وتعالى. وبذلك كان الصوم حركة في الإنسان من خلال هذا الخضوع الإرادي لله سبحانه وتعالى، ولذلك كان الصوم وهو عبادة صامتة لا يتحرك فيها شيء من جسدك ولا يتحرك فيها أي تعبير في لسانك. فدور الصوم هو في أنّه يبقى في عمق إرادتك وفي عمق إحساسك وشعورك وذلك بأن تكون بالصوم الإنسان الرافض، فالصوم هو حركة رفض في الوقت الذي تتوجه فيه نفسك إلى القبول. ومن هنا فقد نعيش الصوم في هذه المفردات وربما ننحرف في ممارستنا له بأن نطوّق هذا الفرض في السحور وفي الفطور بنحو لا يحقق شيئاً فيما نستعد له من مآكل قبل أن نصوم وبعد أن نصوم كأنّنا نثأر من الرفض على طريقة الحيل الشرعية التي تجعل الإنسان يضعف إرادته في مقدمة الصوم وفي نهايته فيما المطلوب من الصوم أن تكون إنساناً رافضاً لكل ما حرّمه الله، لأنّ هناك الصوم الصغير الذي هو مقدمة للصوم الكبير، فإذا كان الله قد حرّم علينا أن نأكل أو نشرب أو نستمتع بما نستمتع به في هذا الوقت المعيّن، فلقد أرادنا أن نصوم في كلّ عمرنا عمّا حرّمه من مآكل ومشارب ولذّات وما إلى ذلك.

ارسال التعليق

Top